معاهدة أو اتفاقية.. لماذا الخديعة؟
منذ احتلال العراق عام 2003 والى اليوم تقود الإدارة الأمريكية العراق عسكريا وتدير شؤونه وتتصرف في مقدراته دون رادع قانوني أو أخلاقي أو إنساني، وانتقاما لما خسرته فيه بشريا وماليا تفرض منهجها في تضخيم خسائر العراق بشريا وماليا إلى أرقام مذهلة، مع استمرارها في تنفيذ سياساتها القديمة والجديدة في رهن واقعه بمسيرة آلياتها المنتظمة في الهيمنة ووضع يدها على مفاتيح الحل والعقد. ولا يذهب المرء بعيدا في قراءة كلمات "تضحيات جسيمة قدمها الشعبان الأمريكي والعراقي" في ديباجة مبادئ التفاهم التي وقعت وأعلنت بما تحمله إضافة إلى جمل هلامية ومخادعة في معانيها ومضامينها والمقصود منها ما خلفها أو بمعناها، وما تسعى إليه من جانبها، التي لا تترك للمفاوض من الطرف الآخر فرصة التعبير عما يخالفها أو يخفف من واقع انتهاكها وتجاوزها وامتهانها للقيم والأعراف وقواعد التباحث والتفاوض في مثل هذه الشؤون الخطيرة والحساسة.
إعلان المبادئ حمل كلمات معسولة تعبوية، وساخرة في اختلافها مع الوقائع على الأرض، وأثار الكثير من الجدل، لاسيما بين نصه وما نشر من تسريبات وسائل الإعلام، الأمريكية والبريطانية، خاصة صحيفة الاندبندنت البريطانية. والذي يكشف الأبعاد الحقيقية أو يلخص الأهداف الرئيسية من كل ما يبحث في الغرف السرية، والغايات منه التي تغلف في كثافة دخان هذا اللغط والتسميات والتشويهات والتباينات في الواجهة المعلنة، بينما كل الجهود تصب في مجرى الوصول إلى اتفاق يريد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته تمريره على مشرعي بلاده بهذه التسمية، ليعلن نصرا وهميا أمام ناخبيه ومروجي سياسات حزبه، ومعاهدة استعمارية طويلة الأمد في المضمون والأهداف، وليس مع العراق وحسب، ولا لأول مرة، ولا تشابها بما سبقها، في التاريخ أو في الحاضر القريب، وإنما نموذج للتعميم والتصميم على النصر الأمريكي الإمبراطوري.
يقدم ما سرب من بنود واتفاقات سرية وعلنية صورة معروفة عن طبيعة استعمارية متوحشة تفرض شروطها وأحكامها لما يتفق مع مصالحها ومشاريعها وخططها وتتعارض مع مصالح الشعوب وخياراتها ومستقبلها، وما يحصل هو الخلاف على العدد والكمية والنوعية في تطبيق البنود وتسلسل أولياتها، لا في جوهرها وضرورتها والحكمة منها. فالقواعد الاستراتيجية ووظائفها العسكرية والأمنية وتأثيراتها السياسية والخدمية وأضرارها البيئية وغيرها أصبحت تحصيل حاصل، وإبقاء أعداد من القوات العسكرية الرسمية والمرتزقة المدججة بأنواع الأسلحة لا ينظر إليها، ووجود المستشارين والمتعاونين والوكلاء في كل زاوية من زوايا العمل والإنتاج والوطن لا نقاش فيه أو لا صراع عليه، لاسيما إذا اغريت بعض الأطراف من حملة جنسياتها في التوافق والتنفيذ للأهداف والخطط المرسومة والموضوعة للتطبيق فقط. أما النقاشات والصراعات الرسمية فهي على توزيع المهام والتكليف والفوائد منها، للأشخاص أو الفئات المتعاونة مع مشروع الاحتلال وأصحابه سلفا ولاحقا، حسب تاريخ التخادم والتساوق والارتهان. ومن هنا فالخطر في المعاهدة ليس في بنودها وحسب وإنما في من يدعون لتنفيذها ويقومون بابشع ما يقوم به المحتل والمستعمر، أي يبزونه في أساليبه المعروفة، وما ينشر في وسائل الإعلام من مسميات لهجمات عسكرية على المدن والأحياء وتبريرها بنقائضها يفصح عن طبيعة المعاهدة وسير أعمالها اليومي في العراق، البلد النموذج.
شمل المعلن من المعاهدة تغطية كل المجالات، السياسية والثقافية والأمنية والاقتصادية، وهي في تسلسل معاكس، من الأخير حسب الأهمية، وقبل الإعلان عنها عادت الشركات الأمريكية الكبرى إلى العراق، واعيد النظر في التوزيع العسكري لتواجد القوات واعلن عن الانتهاء من بناء قواعد استراتيجية، وسجون وإجراءات وقائية، ورفع مستوى السفارة الأمريكية إلى مهام ومناصب ملائمة للمعاهدة، وكل هذا يجري والشعب العراقي وحتى الأمريكي لم يعرف من الذين يدعون تمثيله وانتخبوا منه الحقيقة الغائبة. معاهدة أو اتفاقية.. لماذا الخديعة إذن؟.